ذات يوم من أيام سنة 2000 في مدينة جميلة شمال المغرب عقد بعض المهتمين والمنشغلين بالهم الثقافي اجتماعا من أجل تأسيس جمعية ثقافية تُعنى بالطفولة. مشهد عاديّ يتكرر تقريبا في كل المدن المغربية، غير أن فكرة كهذه ستُثمر بالعرائش تجربة خاصة تفرّدت بها جمعية الشريف الإدريسي التي لم يكن اسمها سوى اسما لمدرسة الحي القريبة، والتي مرّ من صفوفها أغلب الأعضاء المؤسسين للجمعية.
تتلخص رؤية هؤلاء الفاعلين التربويين لنشاطهم في" نمو الطفل داخل الفن" يقول خليد بلعزيز؛ لذلك اجتهدوا من أجل تهييئ حياة ثانية لأطفال الجمعية، موازية ومهمة داخل المسرح والسينما والتعبير الجسدي والموسيقى، منتقلين من الممارسة داخل دورالثقافة والشباب إلى المشاركة في تظاهرات ومناسبات تتجاوز مستوى وعي الأطفال من خلال نشاطات منظمات نقابية وسياسية ومهرجانات داخل الوطن وخارجه؛ إيمانا منهم بأن" الفن أداة تتيح إمكانيات هائلة للطفل من أجل التواصل مع العالم، وتفتح وعيه على فضاءات مختلفة ومتنوعة ومختلفة عن فضاءاته الطبيعية المنحصرة في البيت والمدرسة".
لاحقا ستُكوّن الشريف الإدريسي فرقة موسيقية من منخرطيها تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وواحد وعشرين سنة حملت إسم إحدى المفاتيح الموسيقية (مفتاح صول)؛ فرقة يشكل أفرادها سمفونية رائعة منسجمة تُتحف مشاهديها بأدائها وأسلوبها الشيق والممتع، وبألبومها الثري المستوحى من الأغاني المغربية والاسبانية؛ يميزها ذلك التعايش الخلاق بين مختلف الأعمار؛ مما يسمح بالتعلم المباشر بين أعضائها، ويضمن استمرارية فرقتهم من خلال هذا العنصر البشري الفتيّ الذي تعمل الجمعية على تتبع مساره وصقل مواهبه، مشرفة على التحاقه بالمعهد الموسيقي للمدينة.
من المهم الإشارة إلى أن معظم المؤطرين ينخرط أبناؤهم في هذا العمل الفريد. وحين تسأل أحدهم عن ابنه من بين المجموعة يجيبك بتلقائية : كلهم أبنائي.
تميُّز مفتاح صول تؤكده الجوائز التي حصلت عليها؛ حيث استحقت بجدارة المرتبة الأولى لمهرجان العدوتين للطفولة والشباب بالرباط ثلاث مرات، إضافة إلى الميدالية الذهبية للهلال الأحمر والصليب الأحمر بإسبانيا. وسيظل أطفال الفرقة يتذكرون بفخر تسلمهم هذه الجائزة من يد "إلينا" ابنة الملك خوان كارلوس.
طموحات أبناء مدرسة الشريف الإدريسي لا تُحدّ؛ إذ يخططون لتشكيل فرقة نحاسية بآلات جديدة وعناصر أكثر رغبة في تطوير المستوى الفني لأفراد الفرقة التي بدأت تفكر في تنويع ألبومها الغنائي بأداء أغاني آمازيغية بعد مشاركتهم المدهشة في مهرجان تموايت بورززات بداية يوليوز الماضي. في غياب الاعلام الرسمي، وبإمكانيات متواضعة وإرادة قوية تمضي مثل هذه التجارب في حفرمسار خاص يعزّز مقومات الثقافة المغربية الغنية بعيدا عن الضحالة والإبتذال.